حكاية صياد السمك يوسف
الخالق الكريم الصحة والشفاء ويتصور أباه العزيز ولا يعلم ماذا حدث له بعد طول الفراق هل خانه الصبر و الجلد والسلوان فلزم البيت حزينا كئيبا أم أن أمله الحلو بعودة ابنه وإيمانه الكبير بشفاء زوجته قد خففا من مصيبته وشددا غريمته فهو ما زال صامدا صابرا يدعو الله القدير أن يكون بعونه ويزيل همه ويتخيل أخويه الصغيرين نبيل وسعاد وهما يبحثان عنه داخل البيت وخارجه فلا يجدانه ولا يقفان له على خبر. كانت تمر هذه الذكريات والصور في رأسه وأمام عينيه فينفجر بالبكاء وتنهمر الدموع من عينيه ثم يعلو صياحه وعويله حتى أن سكان الجزيرة المقدسة تعجبوا منه وحاروا في أمره. فهو قد حول نعيم جزيرتهم المقدسة إلى چحيم من كثرة نحيبه وعويله أراد سكان الجزيرة المقدسة معرفة سبب بكاء الابن البار سليم وعويله فألموا وفدا منهم وكلفوه بمقابلة شيخ البحر سيد الجزيرة ورئيسها كي يعرض له أمر هذا الولد الغريب الذي عكر صفوهم ونكد عيشهم. وفي صبح أحد الأيام استقبل شيخ البحر أعضاء الوفد وسألهم عن حاجتهم فقال له كبيرهم يا سيدي الشيخ إن الولد الذي يقيم في قصرك قد أزعج نفوسنا بعويله وأقلق خواطرنا ببكائه وإذا استمر ببكائه وعويله فسيحول نعيم جزيرتنا المقدسة إلى چحيم. وإننا نرجوك أن تزيل السبب الذي من أجله يبكي وينوح حتى يبقي لجزيرتنا بهاؤها ورونقهاولقد استدعى شيخ البحر الابن البار سليما فحضر حالا ووقف بين يديه وسلم عليه. فسأله الشيخ بلطف وعطف أما تزال يا سليم تحن إلى وطنك وتشتاق إلى أهلك فأجاب سليم بجرأة وأدب يا سيدي الشيخ إن اشتياقي لأهلي يزداد وحنيني لوطني يقوى وإن أمي الرؤوم تنتظر عودتي ومعي العلاج الناجع الذي يشفيها من مرضها فتعود إليها صحتها وقوتها وتزاول عملها في البيت ويرجع أبي إلى عمله في البحر ويذهب إخوتي إلى المدرسة وتعود لبيتنا بهجته ولعائلتنا سعادتها. ولما سمع أعضاء الوفد كلام سليم أعجبوا كثيرا بوفائه وذكائه ودمعت عيونهم عطفا عليه ورأفة به وطلبوا من شيخ البحر أن يقضي حاجة هذا الولد البار الذي يستحق التقدير والإكبار. فوعدهم شيخ البحر خيرا ثم تركهم ومضى إلى جناحه في القصر ليستريح قليلا. لقد انصرف أعضاء الوفد حامدين شاكرين لأن الشيخ احتفى بهم واستقبلهم أحسن استقبال ولبى رغبتهم في الحال ورجع سليم إلى غرفته وهو لا يكاد يصدق ما سمعته أذناه إنه ينتظر ساعة الڤرج بشوق ولهفة لقد مال ميزان النهار وغابت الشمس ومشى الليل في الجزيرة حتى إذا لفها بجناحيه بدت وكأن كل شيئ فيها هادئ صامت فلا حركة إلا حفيف أوراق الشجر واهتزاز الغصون ولا صوت إلا صوت تكسر الأمواج على صخور الشاطئ القريب ووقع خطوات
ذهابا وإيابا ينتظر الأمر بالرحيل انقضت ساعة من الليل حسبها سليم يوما بل شهرا ولم تنقض الساعة التالية حتى دخل شيخ البحر على سليم وأشار إليه أن اتبعني فتبعه حتى وصلا إلى الشاطئ فصعد الشيخ إلى قاربه الصغير وصعد معه سليم ثم أرخى الحبل وسار القارب يشق ماء البحر الذي كان مصقولا كأنه المرآة ورفع سليم رأسه نحو السماء شاكرا رب العلاء وهو يتمنى لو يدرك أمه ويرى أبه ويلتقي بأخويه ولم ينتصف الليل حتى أطل القارب على الشاطئ الثاني شاطئ بلده الحبيب الذي لم ينسه سليم حتى في الجزيرة المقدسة بل زاد حبه له وتعلقه به. وأمام الصخرة ذاتها التي جلس عليها سليم منذ مدة بعيدة أوقف شيخ البحر قاربه ثم ضم سليما بين ذراعيه وقبله على خديه وخاطبه بعطف وحنان أيها الابن البار لقد وصلت إلى وطنك وستلتقي بأهلك وإنني مكافأة لك على إخلاصك ووفائك أقدم إليك هذه الهدية الثمينة إنها خاتم السعادة الذي يشفي المړيض ويغني الفقير ويسعد البائس فاحرص عليه واحتفظ به وانتفع منه. كان سليم يسمع هذه الكلمات المؤثرة وعيناه عالقتان بعيني الشيخ الجليل الذي بدا وكأنه قديس من القديسين أو نبي من الأنبياء تناول سليم الخاتم ووضعه في أصبعه فأحس بالغبطة والسرور يملآن قلبه ثم أمسك بيد الشيخ القديس وقبلها حبا ووفاء وودعه ونزل من القارب وجرى مسرعا نحو القرية وهو يتمنى لو يدرك أمه ويرى أباه ويلتقي بأخويه. وصل سليم إلى بيته وطرق الباب بيده اليمنى ويده اليسرى على قلبه فهو يخشى أن لا يجد أمه فيه ولما انفتح الباب نظر إلى أبيه الواقف أمامه كالمذهول بعين ونظر إلى فراش أمه حيث تركها بالعين الثانية ثم أسرع نحو أمه وانحنى عليها ووضع خاتم السعادة بيدها فدبت الحياة في أعضائها وجرى الډم في عروقها وعاد النور إلى عينيها وانطلق لسانها فقالت وما أحلى ما قالت الحمد لله الذي بفضله غمرني وشكرا لشيخ البحر الذي بخاتمه أنقذنيوفي الصباح زاولت أم سليم عملها في البيت ورجع أبو سليم لشغله الذي يدر على العائلة الكساء والغذاء وذهب سليم ونبيل وسعاد إلى المدرسة. لقد عادت لبيت صياد السمك يوسف بهجته وسعادته وعاد لعائلته هناؤها وسرورها.