حكاية رحلة الآثام بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


برسمية بحتة
يا دكتور البلاغ بيقول إنك عملت العملية كمان بدون موافقة أهل المړيض ودي مشكلة تانية خطېرة.
طرق بقبضته المتكورة في تعصب على السطح الزجاجي ورد مؤكدا في ڠضب مبرر
محصلش!
أشار له الضابط بالتحرك وهو يخاطبه في لهجة جامدة
يا ريت حضرتك تتفضل معانا بهدوء على القسم وهناك هتعرف كل التفاصيل.
كان من الصواب في مثل هذه الظروف التصرف بتعقل وروية لكشف الحقائق بدلا من إثارة البلبلة بلا داع لذا سحب مهاب نفسا عميقا يثبط به انفعالاته الثائرة وقال بعد زفير سريع

مافيش مانع عندي بس الأول هكلم المحامي بتاعي.
رد الضابط في هدوء مقتضب
براحتك.
المحڼة التي ظن أنها ستقضي على مسيرته الطبية دون ذنب فعلي حلت بخبرة فريق المحامين المخضرمين وتم كشف ملابسات البلاغ المدسوس من أجل إيقاعه في وقت وجيز فالمړيض الذي اتهم بالتسبب في ۏفاته خطئا كان اسمه غير مسجل بسجلات المشفى الرسمية وبالتالي كان من غير المعقول أن يقوم مهاب بإجراء جراحة له وهو لا يمارس عمله إلا بذلك المشفى فقط ناهيك عن عدم تخصصه في إنهاء أي إجراءات قانونية تخص أي مريض فمهمته كانت محددة القيام بالعمليات الجراحية فور تأكد فريق يعمل تحت يديه من إعداد كل شيء. 
أثبتت التحريات صحة ما قدم من بيانات رسمية وأطلق سراحه في الحال ليتجه مهاب إلى مقر شركة عائلة الجندي وقد عرف من يقف وراء ذلك الملعوب الخبيث. دون استئذان اقتحم غرفة المكتب الخاصة بوالده حيث يمكث فيها سامي معتقدا أنه قد بات المسئول الوحيد عن إدارة كافة الأعمال ويملك السلطة المطلقة لتسيير الأمور وفق رغباته هو ولا أحد غيره. توتر وانتفض واضطرب في جلسته حينما رأى شقيقه الأصغر بشحمه ولحمه يقف قبالته وكأن شيئا لم يمسه. استطرد الأخير متكلما في صوت ينم عن قوة مهيبة
كنت
مفكر إن حركة عبيطة زي دي هتجيب نتيجة معايا
تلجلج وهو يرد عليه متسائلا بعدما نهض واقفا
إنت قصدك إيه
حاول بحيلة مكشوفة تعنيفه للتغطية على رهبته منه مشيرا له بسبابته
وبعدين إنت إزاي تتدخل عليا المكتب كده!!!
تقدم مهاب ناحيته وهو يشمله بنظرات احتقارية تحمل ضغينة عميقة تجاهه فما تعرض له كان بإيعاز منه بالكاد حافظ على هدوء نبرته وهو يخاطبه هازئا
المرادي ذكائك المحدود خانك يا سامي.
إهانته لشخصه كانت صريحة غير متوارية لم يتحملها كعادته وصاح به متشنجا
إنت إزاي تكلمني كده أنا أخوك الكبير وآ...
قاطعه في صوت مهدد
ما تفكرش إني هعديهالك...
انعكس الذعر على محياه فتوجس خيفة منه وهو يرى نظراته الممېتة مرتكزة عليه وكأنه يود الفتك به ما لبث أن هوى قلبه بين قدميه حينما أكد له بلهجة غير متساهلة إطلاقا
لأني مش برحم اللي يفكر بس يأذيني.
استغرقها الأمر الكثير من الوقت لتعود إلى ممارسة روتين حياتها اليومي بشكل شبه طبيعي وكان أول ما قررت فعله هو مهاتفة والدتها بعد انقطاع دام لأشهر خجلت خلالها من الاعتراف لها بالخطأ الجسيم الذي . بطنها المتكور ودارت بيدها عليها في حركة دائرية رقيقة بعدما أحست بوكزة خفيفة في جانبها لاح على ثغرها بسمة ناعمة فهي لم تظن أنها ستكمل ذلك الحمل لكن بذرة المشاعر الأمومية التي صحت بداخلها جعلتها تتراجع عن فكرة التخلص منه رغم مساوئ زواجها غير الموفق من مهاب شجعها على ذلك أيضا غيابه عنها ودعم ممدوح لها فقد أصبح أكثر قربا منها وتخطت مكانته لديها حدود الرفيق المخلص لتتوطد صداقتهما بشكل غير معقول لكنها لم تتجاوز حدود المباح حيث أبقت على وجود مسافة حذرة في علاقتها به.
انتشلها من شرودها الذي طال صوت والدتها شبه الباكي حينما أجابت عليها بعد انتظار استمر لما يقرب من دقيقة
كل الغيبة دي يا تهاني هونت عليكي يا بنتي
افتقادها لوجودها في حياتها جعل تأثير سماعها لصوتها جليا دق قلبها وكتمت بيدها أنفها لتمنع نفسها من البكاء لترد مدعية كڈبا بصعوبة 
معلش يا ماما مشاغل.
جاء ردها مستعتبا
مشاغل إيه اللي وخداكي كل ده مافضتيش دقيقة تكلميني فيها 
نفرت من مقلتيها الدموع فتابعت بعد نحنحة سريعة
ڠصب عني بس المهم قوليلي إنتو أخباركم إيه
أجابتها عقيلة بعد شهيق مسموع
الحمدلله ناوية ترجعي امتى
مسحت تهاني بإصبعها دمعها من على وجنتها وأخبرتها
صعب دلوقتي أومال فردوس فين
في شيء من البهجة جاوبتها
مش اتجوزت والحمدلله.
ردت بشكل آلي مقتضب
مبروك.
أضافت والدتها بعدئذ بتلقائية أمومية
عقبالك إنتي كمان يا ضنايا وساعتها نعملك أحلى ليلة هنا بمشيئة ربنا.
حينئذ اعتصر الألم قلبها فكيف لها أن تخبرها عبر مكالمة هاتفية خاطفة أنها تزوجت بل وعلى وشك الإنجاب بعد أشهر قليلة! سكتت لهنيهة وهي تشعر بالخزي من حالها فهذا ليس ما خططت له وما ظلت تردده على مسامع الجميع! أعمتها في لحظة غادرة أطماعها وغطت أحلامها الواهية على رجاحة عقلها فحينما انتهت سكرة الحب انكشفت الحقائق وأصبح كل شيء واضحا. حاولت تهاني أن تبرر صمتها الذي شعرت به أمها بقولها الكاذب
أنا.. مش بفكر غير في دراستي وشغلي.
ردت عليها برجاء
ربنا يقويكي ويهديلك العاصي.
يا رب.
أوصتها والدتها قبل أن تنهي معها المكالمة في نبرة التياع
ما تطوليش عليا يا تهاني اسألي عليا من وقت للتاني.
حبست شهقة بكائها للحظة الأخيرة لترد في إيجاز
حاضر.
ثم وضعت السماعة وهي ټنفجر باكية في حړقة وتأثر قلبها اشتاق إليها وروحها تتعذب في بعادها عنها لازمها الحزن من جديد وجعلها تتجرع بقساوة مرارة اختيارها غير
الموفق.
لم يساوره أدنى شك أن ابنه كان يبذل قصارى جهده ليطمئن على استقرار وضعه الصحي وها هو اليوم ينعم في قصره الضخم بمظاهر العافية وعلامات النشاط والحيوية لكنه سرعان ما عبس وقلب شفتيه لتنتفض في نظراته شارات الڠضب بعدما قرأ ما تناولته الجرائد والصحف اليومية عن خبر اتهام مهاب الكاذب استدعى ابنه على عجالة قبل ذهابه للمشفى واستعلم منه عن تفاصيل هذه الأخبار فأخبره بلا انفعال عن الأمر لينهي كلامه قائلا
أنا بلغتك يا باشا باللي حصل ولأنه أخويا فأنا لمېت الموضوع.
النظر في وجه فؤاد في هذه اللحظة كان مخيفا فتعابيره كانت توحي بشړ خطېر استمر مهاب في الحديث مردفا
مهما كان اسم العيلة مش لازم حد يمسه بس للأسف الخبر وصل الجرايد.
لم ينطق والده بكلمة كان واجم الملامح قاسې النظرات في حين واصل ابنه إخباره بجدية تامة
من بكرة هينزل تكذيب عن الأخبار دي في كل مكان وهحاسب المسئول عن النشر مش عاوزك تشيل هم يا باشا.
فجأة رفع فؤاد كفه أمام وجه ابنه ليقول في صوت رخيم وغامض
خلاص يا مهاب...
كان الأخير مقطبا لحاجبيه وهو يصغي إليه دون مقاطعة تحفز في جلسته أكثر عندما تابع بنبرة أكدت على عدم منحه لأي صك من صكوك الغفران لابنه البكري مهما أظهر من دوافع وتفسيرات
أخوك ليه حسابه معايا فمتدخلش !!!
يتبع الفصل السابع عشر
الفصل السابع عشر
نجم في السماء
رغم مضي الوقت على ذكرى ليلتهما المأساوية إلا أن ذلك الحاجز الوهمي ظل قائما بينهما فهي لم تمنحه الأذن بعد للاقتراب منها ولم يسع هو لفرض نفسه عليها كانا يعيشان تحت سقف واحد لكن فصلت عشرات الأميال بينهما. ما زال إحساسه بالذنب يؤلمه يؤرق مضطجعه يشعره بأنه لم يكن جديرا بحماية زوجته. حاول مغالبة هذا الشعور القاسې والتعامل معها بودية ومحبة لتألف وجوده معها لكن هذه النظرة اللائمة المطلة من عينيها ضاعفت من شعوره بالخزي والخذلان. راقبها عوض وهي منهمكة في أداء أعمال المنزل التي لا تفرغ منها أبدا وكأنها وسيلتها للانشغال والتشاغل عنه. لم تخرج لمرة واحدة من البيت رغم إلحاحه عليها حتى ما يلزم البيت من طعام وشراب كان يبتاعه هو. كان مدركا للسبب المنطقي وراء عزلتها وانقطاعها حتما هي تخشى مواجهة الناس وتسعى لتجنب نظرات المعارف والجيران لها فموضوع ليلة زفافهما كان ومازال يؤلمها. توقف عن الاستغراق في تفكيره وتنحنح بصوت خشن لتنتبه لوجوده ثم سألها بنبرة مهتمة
ناقصك أي طلبات
ردت فردوس بهزة نافية من رأسها
لأ كله موجود.
لف يده حول عنقه يحكه قليلا ثم استطرد متابعا
طيب أنا هتأخر شوية ورايا مأموريات ومشاوير..
علقت عليه باقتضاب
ماشي.
فكر في الترويح عنها فاقترح عليها بإصرار
لو حابة تروحي عند الست أمك وتقضي النهار معاها فالبسي عشان أوصلك في سكتي.
نظرت له باستغراب للحظة ثم حسمت رأيها مرددة
طيب.
استحوذ بمكر ودهاء على الفراغ الكبير الذي ملأ حياتها لأشهر وجعلها فريسة سهلة الاستدراج لأي إغراء بسيط وبالتدريج لم تعد تشعر بهذه الۏحشة المسيطرة على نمط يومها الرتيب وتناقص بداخلها شعور النقم والكراهية لتصبح أكثر تقبلا للمستجد في حياتها. تطلعت تهاني إلى ممدوح وهو يسير معها على البساط الأحمر الممتد بطول الردهة الخاصة بقاعة المؤتمرات حينما استطرد حديثه الباسم إليها
مبسوط إنك خدتي القرار ده.
رغم التوتر الذي اعتراها إلا أنها أخفته وراء ابتسامة رقيقة منمقة لترد في إيجاز
شكرا.
لم تصدق أنها استطاعت الانسياق وراء دعوته الملحة بطرح أفكارها المتفردة على المجتمع العلمي ترددت في البداية وعارضت قبولها لكنها استسلمت مع تصميمه وخاضت التجربة غير متوقعة نجاحها لكنه أمدها بكل السبل والوسائل التي جعلت أحلامها تصبح حقيقة ملموسة لتحفر بذلك اسمها بين جموع العلماء والأطباء المعروف عنهم دوما بإقدامهم على تقديم مبادرات علمية مفيدة للغير مما دفعها لتكون من ضمن المرشحين الأوائل للمشاركة في أي مؤتمر علمي. موجة من الارتباك عصفت بها وكأنها مرتها الأولى التي تتولى فيها الحديث عندما اقتربت من مدخل القاعة شعر ممدوح باضطرابها فقال ملطفا
ماتقلقيش أنا موجود جمبك في كل لحظة.
هزت رأسها في امتنان فأكمل بشيء من التوصية وهو يخفض بصره نحو بطنها المنتفخ والبارز من أسفل ثوبها الأسود اللامع
حاولي ماتتعبيش نفسك كتير...
لتتحول نبرته لشيء من اللؤم وهو يختتم عبارته
إنتي غالية عندنا.
أحست بتلميح متوار في جملته استدعى سيرة من لا تحبذ التفكير فيه فما كان منها إلا أن ضحكت قائلة في شيء من الاستهزاء
إيه دكتور مهاب موصيك عليا
صحح لها بتوضيح شبه جاد
لأ أنا بقالي مدة معرفش عنه حاجة بس حقيقي أنا خاېف عليكي مش حابب إنك تتعبي.
ارتبكت من طريقته في إظهاره لاهتمام مبالغ بها وقالت كأنما تتهرب منه
عن إذنك أنا اتأخرت.
تنحى للجانب ورد دون أن تخبت بسمته
اتفضلي وهتلاقيني مستنيكي لما تخلصي.
اكتفت بالإيماء برأسها قبل أن تتسارع خطواتها لتبتعد عنه وذلك الإحساس الغريب والمتناقض تجاهه يناوشها بقوة حاولت مقاومة التشوش الذي يسود مشاعرها بل
وينعكس تأثيره
الطاغي على تفكيرها فهناك أشياء لا تزال معلقة تحتاج للحسم قبل التفكير في أي أمر جديد.
جمع الأوراق الرسمية من أمامه بعدما فرغ من التوقيع عليها جميعا ليضعها بحرص في مغلف أبيض اللون ثم نقل المظروف إلى داخل حقيبته الجلدية وأغلقها قبل أن ينتقل من موضع وقوفه إلى حيث كان يجلس في مواجهته عند قدومه
 

تم نسخ الرابط