حكاية رحلة اثام بقلم منال سالم
المحتويات
يده المرتعشة ليمسك بكوب الماء الموضوع قبالته ارتشف منه قدرا واستأنف حديثه الجاد
لو سبت كل حاجة في إيد سامي هيضيع اللي بنيته ويهده بتصرفاته.
وافقه الرأي وأضاف عليه
هو متهور كعادته مابيحسبهاش صح.
هز رأسه بالإيجاب وتابع
عشان كده هو مايعرفش غير اللي أنا عايزه يعرفه وبس.
استحسن قراره الصائب واستمع إلى أبيه وهو لا يزال يملي عليه أوامره
قال مومئا برأسه
حاضر يا باشا.
بوجه صارم التعبيرات ونظرة مماثلة استمر فؤاد يقول
إنت وهو امتداد لإمبراطورية الجندي ومن بعدكم أحفاد أحفادي.
رد عليه مؤكدا
كل اللي نفسك فيه هيحصل يا باشا إنت ماتقلقش على حاجة.
بعدئذ أشار له والده لينهض وأمره
انصاع كليا لما أراده منه وقال وهو يهم بالانصراف
أوامرك
يا باشا.
موجة عارمة من الرضا والانتشاء اجتاحته تماما لم يكن ليطرأ على باله أن ينال أضعاف ما يملك في طرفة عين عليه فقط أن يتحلى بالصبر وينتظر اللحظة المناسبة ليملك زمام كل شيء.
قام باستدعائها في مكتبه بشكل طارئ مما جعل أوصالها تضطرب وعقلها يغوص في حيرة كبيرة كان من النادر أن يطلب لقائها هنا خاصة بعدما تزوجت برفيقه. مؤخرا كان اجتماعهما معا محدودا ومختصرا في نطاق العمل بعيدا عن شأن صغيرهما لهذا انتابتها الهواجس والتوترات المبررة وراحت رأسها تطن بعشرات السيناريوهات المخيفة. خشيت أن يدبر لها ڤضيحة ما هنا ليقضي كليا على سمعتها قبل مستقبلها. ارتجفت وهي تقف قبالته أرهفت السمع ولم تقاطعه وهو يخبرها بعبارات محددة عن رحيله من هذا البلد وانتقاله لمكان آخر. كل ما جال في خاطرها لحظتها هو حرمانه من طفلها فسألته في توجس متعاظم
تحرك ليدنو منها وأجابها بلا ابتسام
ما تخافيش مش هحرمك منه إنتي هتنقلي معايا جهزي حالك للسفر.
اتسعت عيناها في استنكار جلي ما هذه الوقاحة التي يتحدث بها كيف يتجرأ على طلب ذلك منها تجهمت تقاسيمها وأردفت محتجة بضيق مبرر
إزاي إنتي ناسي يا مهاب إني متجوزة الكلام ده مش هينفع!
نظر لها شزرا قبل أن يأمرها بأسلوبه المتسلط والمتبجح
كادت تنطق بشيء لكنه أخرسها بترديده الحازم
ويالا اتفضلي مش فاضيلك.
طرده لها كان مغيظا ومستفزا ومع ذلك لم تبد أي ردة فعل معادية له فمثله لا يجب تحديه وإلا لكانت العواقب وخيمة انصرفت في الحال وهي مشټعلة الرأس مشحونة الفكر ومحتقنة أخذت تبرطم مع نفسها بذهول شديد الإنكار
يتبع الفصل السابع والعشرون
الفصل السابع والعشرون
العوض
ما يفرضه على الجميع لم يكن مجرد رأي عابر أو اقتراح ضمني قابل للمناقشة بل حقائق إجبارية واجبة التنفيذ لهذا بدا من العسير عليها تقبل هذه النقلة المفاجئة والغريبة وما زاد من غرابة هذا الأمر عليها هو انصياع زوجها له وترحيبه بالسفر والرحيل. استنكرت ما أخبرها به وهتفت في استهجان أشد وقد تشنج كامل وجهها
أجابها في صوت هادئ وهو يسترخي أكثر على الأريكة
طالما المصلحة معاه ليه لأ
جلست إلى جواره بتعصب وراحت تلوم رضوخه في انفعال متزايد
ده بيتحكم في حياتنا في الهوا اللي بنتنفسه مش ممكن أسمحلك توافق على ده.
مد ذراعه ليمسك بكتفها ضغط عليه برفق وقال
صعب نواجهه مع نفوذه التقيل.
اشتعلت نظراتها غيظا وهدرت في إصرار
خلاص نسيبه يغور ونفضل أحرار في حياتنا وهو أكيد هينسانا.
هز رأسه محتجا على كلامها الذي أعده ساذجا قبل أن يوضح لها بتعقل
مش مع مهاب يا تهاني ده لازم ناخده بالسياسة مش بالعافية.
ثم ابتسم لها وأضاف
وبعدين فترة وتعدي يا حبيبتي احنا مش خسرانين حاجة يبقى إيه الضرر علينا
احتدت نظرتها المليئة بالإنكار تجاهه ونفضت ذراعه عنها لتقوم واقفة لم تحد بعينيها الحانقتين عنه واڼفجرت فيه بعاصفة كلامية متحيزة وهي تشير بإصبعها له
وسمعتنا ومجهود السنين اللي عملناه هنا!!
نهض بدوره ليواجهها وأمسك بها مجددا من رسغها ليعلق عليها
شوفي لو مهاب فيه كل العبر بس حاجة مهمة بتميزه إنه دايما مابيقعش إلا واقف.
حاولت تحرير يدها من قبضته وهي تسأله في تخبط
مش فاهماك! إنت كده بتحيرني بزيادة!!!
استرخت قبضته على معصمها لتنخفض في بطء وتتخلل أصابعه أناملها ليتشابكا معا في اتحاد وصوته يخاطب أذنها بلهجة العاقل
يعني مهاب مش هياخد الخطوة دي ولا هيجبرنا نروح معاه إلا لما يكون مظبط أموره كويس جدا وماتنسيش إنه يعتبر من صفوة المجتمع.
كان يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف لهذا استطاع أن يلين رأسها المتيبس بقدرته الفائقة على الإقناع فاسترسل مستفيضا في توضيح مخاطر معارضته
في التو قالت وبلا تفكير وكأنها قد استطاعت رؤية الجانب الآخر والمظلم من الأمر
لأ طبعا.
حافظ على ثبات بسمته الماكرة وطلب منها
خلاص اعتبريه تكليف وخديه بالرضا.
نكست رأسها قليلا وهمهمت معترفة في نبرة مضطربة
أنا حقيقي بقيت أخاف من مهاب أكتر من الأول مش مطمنة.
لم يحرر أناملها وطوقها من خصرها ليضمها إلى صدره راح بعدئذ يمسح على ظهرها بنعومة وهو يؤكد لها
اهدي يا حبيبتي مش هيقدر يعملك حاجة وأنا موجود أومال أنا جاي على نفسي ليه عشانك
حينئذ رفعت عينيها لتنظر إليها تبسمت عندما أخبرها
ده أنا كلي فداكي.
بس برضوه لازم ناخد بالنا.
حرك رأسه مؤكدا وهو يعاود ضمھا إليه
طبعا.
من طرف عينه لمح ممدوح صغيرها قادما فتعمد التودد إلى والدته بحميمية متجاوزة كما لو كان يشتهي قربها كثيرا مما قد يسيء عقل الصغير تفسير ما يدور لوجود بعض الجموح بتصرفاته وذلك فقط ليستثير حنقه كأنما يريد الاڼتقام منه بطريقته الخبيثة ونجح في ذلك. سرعان ما تنبهت تهاني لوجوده وهتفت بتحرج شديد وهي تتراجع عن زوجها لكن وجهها ظل مضرجا بحمرة ساخنة
حبيبي إنت رجعت من النادي إمتى
استطرد ممدوح كذلك بأسلوبه الوقح المغيظ ونظراته الشامتة مرتكزة عليه
أوس إنت دايما تيجي كده في الأوقات الصح!
تجاهله الصغير
مباعدا عينيه القاسيتين عنه ليخاطب والدته في صوت متجهم
ماما عاوزك.
هي مشغولة معايا لما تخلص هتجيلك.
في صوت صارم ووجه غائم أمرها الصغير
تعالي دلوقتي.
هزت رأسها مرددة بعد نظرة سريعة ألقتها نحو زوجها
طب روح يا أوس وأنا هحصلك.
حدج كلاهما بنظرة ڼارية قبل أن يغادر لتعقب تهاني في تحرج خجل
لازم ناخد بالنا واحنا مع بعض أوس بيضايق.
رد عليها بعبوس
مش إنتي دايما تقولي عنه عيل ماتكبريش الحكاية.
صممت على رأيها في اتخاذ الحذر التام في ممارسة طقوس الهوى
برضوه أنا مش عايزاه يزعل.
لحظتها وجدت منه جفاء عجيبا وكأنه خاصمها أولاها ظهره قائلا
براحتك.
انتابها شعور الندم فلحقت به تسأله في جزع
إنت اتضايقت ولا إيه
رد باقتضاب
عادي.
وكأن ضميرها يؤنبها على تسرعها هتفت تناديه في نبرة آسفة
ممدوح!
لم يكلف نفسه عناء الرد عليها زاد من قلقها رؤيتها إياه وهو يرتدي سترته استعدادا لذهابه سألته في توتر ممزوج بالخۏف
إنت خارج
وضع مفاتيح سيارته في جيب سترته وكذلك علبة سجائره ليقول بإيجاز مماثل لباقي ردوده السابقة
أيوه.
حلت دهشة مرتاعة على وجهها وهتفت
دلوقتي
ظنت أن خروجه الآن ما هو إلا ردة فعل لمطلبها اعترضت طريقه واستوقفته من ذراعيه بكلتا يديها لتتوسل إليه وهي تشد عليهما بأناملها
عشان خاطري ماتمشيش وإنت مضايق مني.
انتشى داخله لقدرته الفائقة على تطييعها وإخضاعها بأقل مجهود وضع ابتسامة صغيرة على محياه قائلا ويده ترتفع لتمسح على وجنتها بنعومة
حبيبتي أنا ورايا كام مشوار عاوز أعملهم...
تخللها شعور الارتياح وبادلته الابتسام لكن تبدد حالها سريعا عندما اختتم جملته بما أرعبها
وهعدي على مهاب!
عكس تعبير وجهها وأيضا نظراتها هذا الفزع الكبير فاستجدته بأنفاس متقطعة
بلاش تروحله ھيأذيك!
قال مطمئنا إياها
مايقدرش وبعدين أنا هشوف دماغه فيها إيه.
استردت أنفاسها بصعوبة ومع ذلك أوصته
طب خد بالك يا ممدوح مش عاوزة أي حاجة تحصلك.
أكد لها بثقة واضحة
ماتخافيش عليا.
انصرف بعدما منحها قبلة مقتضبة على جبينها لتظل ماكثة في موضعها والخۏف يتسلل إليها من تخيل حدوث الصدام بينهما إن أبدى زوجها تحيزه لموقفها المعارض للذهاب هكذا ظنت بحماقة! السلطة والنفوذ كان غريبا ومريبا. جلس ممدوح مواجها لرفيقه في بيته شبه الخالي
هز مهاب رأسه إيجابا فتابع الأول مستنكرا وبشيء من الشماتة كذلك
ده إنت كنت فرخة بكشك عنده إزاي يسلم الإدارة ل سامي
بعد زفرة سريعة أخبره
مش فارق معايا أنا محتاج أظبط حاجات تانية أهم.
هو في أهم من الثروة والفلوس والعز والجاه!
رمقه بهذه النظرة المحذرة قبل أن يرد
بلاش تتدخل في اللي ملكش فيه.
اكتفى ممدوح بتحريك رأسه بإيماءة صغيرة ومع ذلك ظل داخله يردد بسخط ناقم وكأنه يحسده فيما لم يملك منذ نعومة أظافره
خلاص جهزت نفسك
أجابه وهو يمرر يده أعلى رأسه
فاضل كام حاجة كده هظبطها وبعدين نحصلك أنا والمدام.
أشار له مهاب بيده هاتفا في لهجة جادة تحمل في طياتها الإنذار
وأوس قبلكم .. فاهمني!
مرة ثانية حذره مهاب مشيرا بإصبعه
ويا ريت تبطل تضايقه لأن زعلي وحش.
تنحنح مبررا بالكذب
هو بيتعب أمه فبتضطر تطلب مساعدتي عشان تعرف تسيطر عليه.
لم يقتنع بزيف ادعائه وأمره بتسلط متكبر
سيبه يعمل
اللي عاوزه محدش ليه كلمة عليه وهي بالنسباله مجرد خدامة وبس!
وقتها بدا تعبير وجه ممدوح غير مقروء فاتر فقط ابتسامته اللزجة ذبلت قليلا خاصة عندما واصل إملاء أوامره عليه
ويا ريت تحاول تخلص منها في أقرب وقت.
عاد ليبتسم بقوة وهو يؤكد له بمكر الثعالب
هيحصل ما إنت عارفني بحب التجديد .. زيك!
بعد مرور شهر اضطر للعودة للعاصمة المصرية عندما علم بتدهور حالة والده الصحية لم يكن ليتركه وحيدا في أيامه الأخيرة ظل ملازما له وساعيا بكل ما يستطيع لمداواته لكن فارقت الروح الجسد وانتقلت للرفيق الأعلى ليقوم مع شقيقه بتشييع جثمانه في جنازة مهيبة تليق به كرجل أعمال معروف في الأوساط المجتمعية ثم تواجد كلاهما في دار المناسبات المرموقة بعد يومين حيث أقيمت مراسم تلقي العزاء فيه. جلس الاثنان متجاورين فبادر سامي بالحديث في نبرة غبطة شبه سعيدة وكأنه عاجز عن إخفاء سروره لتهميش دور شقيقه المفضل لدى أبيه
مش عاوزك تزعل يا مهاب إن الباشا اختارني أمسك كل حاجة رغم إنك المفضل عنده.
لم ينظر ناحيته وتركه يكمل وصلة إغاظته بترديده الفارغ
بس ده الصح هو بيثق فيا وأكيد شاف فيا حاجة مش موجودة فيك.
شعر بيده تربت على فخذه فرفع بصره إليه ليجده يقول بعينين ضاحكتين وكأن في مۏت والديهما سعادة لا توصف له
اطمن لو احتاجت حاجة أنا جمبك.
مط فمه ثم أوجز قائلا
أكيد.
انتصب سامي في جلسته على مقعد العزاء واستطرد في لهجة المتحكم وكأن ما ظفر به بعد مماته هو التعويض الملائم الذي يستحقه بعد إقصائه لسنوات
أرباحك السنوية هحطهالك في حسابك ده غير مبلغ شهري محترم هيوصلك أول كل شهر.
كان من السخيف التطرق لهذه الأمور في مثل هذا الظرف لهذا لم يدع مهاب الأمر يمر واستعتبه بضيق
بيتهيألي الكلام ده مش وقته احنا
متابعة القراءة