حكاية رحلة الآثام بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


إيجازها فهتفت بها بضيق
يا بت اقريلي المكتوب تاني بالراحة خليني أفهم بدل ما أنا باخد الكلام منك بالقطارة 
أخبرتها بصوت محتج
تاني يامه طب ما أنا بجاوب على اللي بتسأليني عليه 
نفخت عاليا وأمرتها بنبرة اخشوشنت نسبيا
اقري بس ده هيتعبك في إيه!!
حكت جبينها وقالت مستسلمة
ماشي اسمعي يامه 
انتهت من إعادة قراءة ما جاء في رسالتها لتتضرع بعدها عقيلة بقلب واجل ولسان لاهج

ربنا يردك بالسلامة يا تهاني 
ظلت فردوس تتطلع إليها بغير اهتمام ربما كانت تفتقد وجودها لكنها في نفس الآن تذكر كيف تصبح مهمشة في حضورها كأنها غير مرئية من الجميع إحساسها بأنها أصبحت مطلوبة ومرغوبة عزز في نفسها مشاعر الغيرة والتنافس ودت فقط أن تختفي عن المشهد وألا تعود ريثما يتم زواجها فمن الأفضل أن تحصل على أي لقب غير أن يقال عنها المرأة العانس! أحضرتها من تفكيرها المشحون نبرة والدتها المتسائلة
هي مش حاطة رقم تليفون نطلبها عليه من السنترال
قلبت المظروف على جانبيه قبل أن يأتيها جوابها حاسما
لأ مش مكتوب 
ساد التجهم على تعابير أمها وقالت بصوت مال للانكسار
جايز تكلمنا من نفسها 
بفتور غير مبال أخبرتها وهي تطوي الرسالة بمغلفها معا
أيوه 
على حسب فهمها لطبيعة شخصية شقيقتها كانت متأكدة أنها لن تفعل ذلك إلا أن انتقص عليها شيء حينها فقط ستكلف نفسها العناء وتخاطب أمها لتطلب المساعدة والأخيرة لن تفكر مرتين لإعطائها ما تريد فهي المفضلة دوما لديها أما هي فتأتي في
المرتبة الثانية في كل شيء!
اتأخرتي ليه ده أنا مستنياكي من بدري 
صاحت ابتهال بهذه العبارة وهي تقف عند عتبة باب المسكن لاستقبال شريكتها كأنما تقوم بدور ولي أمرها خاصة بعدما رأتها تترجل من هذه السيارة الفارهة وأحدهم يخاطبها بألفة غريبة لم تكن لتترك الأمر يمضي هكذا دون أن تشبع توقها لمعرفة أدق التفاصيل لكنها لم تنطق بشيء مبدية بوجهها ضيقا واضحا لملاحقتها السمجة تجاهلتها تهاني عن قصد وولجت للداخل نازعة عنها حذاء قدميها فتبعتها الأولى تتأملها بفضول وهي تهتف من ورائها
يا تهاني أنا بكلمك إيه اللي آخرك برا
نبرتها الحادة أزعجتها للغاية فقالت بوجوم
بطلي دوشة عاوزة أرتاح 
ثم استلقت على الأريكة في استرخاء وراحت تتنهد مليا بعدما حلت شعرها وتركته ينساب بتحرر على كتفها شردت مبتسمة محاولة فصل عقلها عن الواقع الحالي لتسبح في لقاء الأحلام الذي كانت جزءا منه قبل قليل لفت خصلة من شعرها حول إصبعها وراحت تعبث بها في نفس الملامح المستكينة الناعمة ونظرات ابتهال الفضولية تشملها إلى أن استحثها تطفلها السمج على اقټحام خصوصيتها والإلحاح عليها بأسئلتها
إنتي شكلك مبسوط وآخر روقان أومال مين اللي وصلك ده حد نعرفه
نظرت لها باستعلاء قبل أن ترد في صيغة متسائلة
وإنتي هتعرفي ولاد ناس منين
شعرت بقدر من الضيق لإھانتها
المتوارية وردت عليها كطلقة سهم مصوبة في صدر أحدهم
هو أنا جاية من الشارع ده أنا تخصص حشرات والأولى عن دفعتي والكل ما بيصدق يشوفني عشان يكلمني وآ 
قاطعتها رافعة يدها لها لتكف عن الثرثرة الفارغة
خلاص مش عاوزة أسمع حاجة 
زفرت بتكاسل ونهضت من مكانها متجهة إلى الحمام ومع ذلك لم تتركها ابتهال لحالها تبعتها كظلها وهي تسترسل
لأ بس العربية فخمة الصراحة تجيلها بكام دي
كعادتها حين لا تتوقف عن الكلام تسد تهاني أذنيها عنها وتقوم بما تفعله في صمت تام حيث فرغت من غسل وجهها وكفيها وخرجت من الحمام معها منشفتها لتذهب إلى غرفتها وصوتها اللحوح يلاحقها أبقت على برودها معها واستمرت توضب ثيابها وتجمع ما يحتاج للغسيل جانبا لتعلمها في النهاية
اعملي حسابك أنا مش رايحة معاكي بكرة 
تقطب جبين ابتهال باستغراب آخذ في التزايد وسألتها وهي تبدو مندهشة بشدة
ليه أدوكي أجازة
ظهر الغرور على محياها حين أجابتها
لأ في عربية مخصوص هتوديني وتجيبني من المستشفى 
شهقت في ذهول قبل أن تهلل
إيه ده! عربية مخصوص سيدي على الدلع كله 
ثم التصقت بها كالبق طالبة منها بسخافة
طب ما تاخدي أختك حبيبتك معاكي بدل العطلة والدوخة اللي ببقى عليها كل يوم وفي الآخر الواحد يروح مأريف ويرجع مفرهد 
نظرت لها بنفور قبل أن تدفعها بعيدا عنها لتزيح الغطاء عن جانب الفراش أشارت لها بيدها قائلة وهي تستعد للتمدد عليه
أنا عاوزة أنام ممكن تطلعي برا 
بقيت مجاورة لها تسألها بتحير
مش هنجيب أكل ده أنا واقعة من الجوع 
تثاءبت وهي ترد
اطلبي إنتي لواحدك 
رفضت ابتهال الذهاب قبل أن تخبرها كذلك بما فكرت فيه باكر
طب بقولك إيه في حاجات كتير ناقصة عاوزة أشتريها هتنفعنا وآ 
قاطعتها بعدم اهتمام
بعدين أنا مش فايقة اقفلي الباب وراكي 
بالكاد انزاحت من غرفتها لتغمغم في صوت مسموع ومصحوب تنهيدة طامعة
اوعدنا يا رب بمعارف تقال زي اللي بتعرفهم تهاني يا رب 
رفعت الأخيرة رأسها عن الوسادة لتتطلع إلى أثرها بعدما غادرت غرفتها ساد على وجهها تكشيرة نافرة منها وهي تنهض سريعا لتغلق الباب في التو قبل أن تفكر في العودة وتزيد من إزعاجها بأسلوبها غير المستلذ استندت بيدها على الإطار الخشبي وابتسامة ناعمة تشق طريقها إلى مع تذكرها لمدى الراحة
التي كانت عليها وهي بصحبة ذلك الجراح كان لطيفا معها للغاية ودودا لدرجة أبهرتها وجعلتها تتمنى أن تكون وثيقة الصلة به لكن نغص عليها صفو لحظاتها المميزة النظرات الغريبة المتبادلة مع رفيقه ورغم ذلك لن تنكر أنها انجذبت إلى أسلوبه في تحفيز من حوله احتارت وتحيرت وتخربطت أفكارها فلم تجهد عقلها بالمزيد من التفكير التحليلي واكتفت بالاستمتاع بما عاشته كأميرة مدللة لهذا اليوم عادت إلى سريرها تتبختر في مشيتها وهي تدندن بخفوت وآمالها العظيمة قد طارت محلقة في الأفق البعيد
بكرة يا دنيا نلف الدنيا !!
الفصل الخامس
مكر الثعالب
تراصت المقاعد الخشبية المستأجرة بمحاذاة الحيز الشاغر في صالة المنزل بعدما تم إزاحة معظم الأثاث ليكون ملائما لاستقبال الضيوف في هذه الليلة المميزة كما تولى أحدهم تعليق الزينات والأنوار البراقة وأضاف آخر حاملا من الورد وضعه بين الأريكتين المخصصتين لجلوس العروسين في منتصف الحضور أشرفت عقيلة على غالبية من تطوع للمساعدة في إنجاز ما ينقص وتولت بنفسها تجهيز قوالب الحلوى وتحضير الشربات والعصائر الطازجة في حين قامت شقيقتها أفكار بتقطيع الفواكه وحشو الشطائر بقطع الجبن واللحم لتوزيعها على المدعوين بينما جلست فردوس بداخل الغرفة لتقوم جارتها إجلال بمعاونتها في تزيين وجهها بمساحيق التجميل  
توافد المدعوون بعد صلاة العشاء تباعا وقامت إحداهن برفع صوت المذياع على أغاني الأفراح الطربية مع إطلاقها لعدة زغاريد مبتهجة كنوع من الاستعداد لاستقبال عائلة العريس فقد كانت والدته في المقدمة واضعة ابتسامة متكلفة على محياها بدت وكأنها غير راضية عن هذه الخطبة استقبلتها عقيلة بترحيب حار وأجلستها على الأريكة المجاورة للعروسين ثم صافحت العريس وشقيقه الأكبر وأشارت لإحدى الفتيات بإبلاغ العروس بوصول خطيبها تعالت أصوات الزغاريد الفرحة المصحوبة ببعض التصفيقات ليتزاحم الحضور بعد بضعة دقائق انتظارا لخروج العروس من الداخل  
تحرك شفيق من مكانه ليجلس مجاورا للعريس مال عليه وهمس له بشيء من الغل
ملاقتش إلا دي يا بدري
ضغط على شفتيه للحظة ثم أخبره بعد زفرة سريعة
على أد ظروفي 
خاطبه پحقد يملأ صدره
يا ابني إنت تستاهل أحسن من كده دي أختها صعب وعملت فيا اللي ما اتعمل وفي الآخر طردتنا 
بناء على تعامله الشخصي معها وحديث خالتها أفكار عن طبيعتها المسالمة كان مدركا إلى حد كبير للفارق بين كلتيهما لذا رد مدافعا عنها
فردوس غيرها 
أصر على رأيه هاتفا بتصميم
الډم واحد اسمع مني 
لم يبد بدري مقتنعا بما يفوه فلجأ إلى إخباره بنوع من الذم
ده غير إن شكلها مش أد كده في ألف واحدة أحلى منها بكتير 
ظل مطرقا رأسه وهو يرد
أهوو النصيب 
انتقل الشقيق الأكبر من موضعه ليجلس في الجهة المقابلة لشقيقه وتساءل باسما
بتكلموا عن مين كده
حذره شفيق بقدر من التهكم
أخوك اللي عملنا فيها شيخ هيوعظنا دلوقت 
تكلم عوض الله منتقدا وصفه المسيء إليه
هو عشان بقول كلمة الحق أبقى وحش
طالعه شفيق بنظرات ناقمة قبل أن يعلق عليه بتحيز
يا سيدي بدل ما تركز معانا شوفلك شغلانة عدلة تاكل منها عيش بدل لفك اللي على الفاضي 
للحظة سكت عوض الله متحفظا على كلامه فقد ارتضى بالعمل نهارا في وظيفة بسيطة كساع بين المكاتب بالمنطقة الأزهرية بالإضافة لقيامه بإنهاء الناقص من الأوراق الرسمية لمن يعجز عن إنجازها في مقابل زهيد أما ليلا فكان يلازم المقرئين خلال إحيائهم الليالي الدينية إما في مناسبات عامة أو في سرادقات العزاء ليختتم يومه بالذهاب إلى المسجد لسؤال إمامه عما ينقص من أعمال ليؤديها هو برضا وحبور لما طال صمته ظن شفيق أنه أصاب هدفه فتمادى في التقليل من شأنه ليرد عليه أخيرا بتريث
أنا بخدم عباد الله وطالما ربنا سخرني أقضي مصالح الناس ليه أتبطر على النعمة 
سخر منه بلمحة هازئة
يعني إنت عاوز تقنعني إن اللي إنت بتعمله ده بالكام مليم دول اسمه شغل
رد مبتسما وهو يرفع كفيه للسماء
فضل ونعمة من ربنا 
سأله بتطفل شبه سمج
طب ما سبقتش أخوك الصغير واتجوزت ليه!!
سادت في ملامحه لمحات من التوتر فهو لم يستطع الإقدام على هذه الخطوة حتى الآن لضيق ذات اليد ولإنفاقه كامل ما يجنيه على علاج والدته المكلف دون أن يكلف شقيقه الذي يصغره
بستة أعوام عناء هذه الأمور فاكتفى بتحمل الأعباء وحده ودون شكوى نظر إليه وقال بعد تنهيدة خاڤتة
لسه ربنا مأذنش 
تدخل بدري متحدثا كنوع من التلطيف وهو يربت على ذراع شقيقه
سيبك منه يا عوض بكرة ربنا يرزقك ببنت الحلال اللي تستاهلك 
ثم الټفت ناظرا إلى شفيق ووبخه
إنت جاي تتطلع عقدك علينا يا جدع إنت
دمدم في حنق لم يخبت نهائيا
يا عم أنا معبي وشايل من العيلة دي ولولا معزتك عندي قسما بالله ما كنت عتبت البيت ده!!
قاطع ثرثرتهما حضور عقيلة وهي تحمل في يدها صينية نحاسية اللون مملوءة بكؤوس متشابهة الشكل انحنت قليلا تجاه بدري وقالت بودية حانية
اتفضل يا عريس الشربات 
التقط الكأس الزجاجي وهتف مجاملا
كتر خيرك يا حماتي من يد ما نعدمها 
نهض عوض قائما وأصر على أخذ الصينية منها بتهذيب
عنك إنتي يا حاجة مايصحش تلفي واحنا موجودين 
تحرجت من ذوقه الواضح وناولته إياها وهي تخبره
تسلم وتعيش يا ابني 
هز رأسه مبتسما وسار بين المدعوين يوزع الكؤوس المملوءة بهذا السائل الأحمر وهو يتلقى عبارات التهنئة والمباركة منهم 
قفزت من على مقعد المرآة لأكثر من مرة لتنظر إلى وجهها الذي صار أكثر نعومة وجاذبية بعدما تم إضفاء مساحيق التجميل عليه لتصبح شبه مستعدة للخروج ومقابلة خطيبها وعائلته
 

تم نسخ الرابط