حكاية كنت معاها بقلم الكاتبة شهد محمد جادالله
المحتويات
من جديد في حب امتلاك أم ابنائه ولكن هي صعب عليه نيل غفرانهاو أفسد الأمر من جديد بغبائه وقراراته البالية التي أوقعته في نفس الخطأ للمرة الثانية ولكن يبدو أن عواقب تلك المرة لا يستهان بها
الرابع والأربعون
مرت عدة شهور عليها بروتينية تامة دون جديد وهاهي تدفع عربة المشتريات وتقوم بوضع مختاراتها داخلها حين لمحت تلك السيدة العطوف جارتها تتقدم منها و وحين لمحتها كريمة ابتسمت بسمة عابرة وقالت بنظرات حزينة
الحمد لله ازيك انت يا طنط
الحمد لله على كل شيء بعد اذنك
ابتلعت رهف غصتها وتسائلت وهي تلاحق خطواتها
انت زعلانة مني
نفت كريمة برأسها وهمهمت بنبرة متحسرة
زعلانة من الزمن وعلى حظ ابني
طنط كريمة انا اسفة بس الحاجات دي نصيب وانت اكيد عارفة
هزت كريمة رأسها وعاتبتها قائلة
عارفة يا بنتي بس هو بيحبك وكان امنية حياته تبقى ليه ابني عمره ما كان مبسوط غير لما قربتوا من بعض
دون اي ارادة من عقلها
هو كويس
تنهدت كريمة بحزن وردت على سؤالها بسؤال أخر وضعها بمواجهة مع ذاتها
بتسألي ليه!يهمك أمره
زاغت نظراتها ونكست رأسها دون أن تجيبها لتزفر كريمة وتخبرها
على العموم هجاوبك أخد قراره انه هيسافر ويسيب البلد وبيحضر في الورق هيرجع تاني لشغله بره مصر
هيسافر!
أومأت لها وأكدت
ايوة يا بنتي علشان يبعد زي ما وعدك
بس انا مطلبتش منه يسافر
من غير ما تطلبي ابني طالما وعدك يبقى عمره ما هيخلف وعده وهو شايف انه علشان يوفي بالوعد ده لازم يبعد
شعرت بالضيق من ذاتها وكادت أن تستأنف حديثها ولكن كريمة استئذنت منها وسبقتها بخطواتها لتضع هي يدها على موضع قلبها الذي ينتفض عاصيا بين ضلوعها وهي لم تتفهم ما الذي يصيبها
صباح الخير يا حبيبي
حانت منه بسمة حانية وأجاب وهو يجلس يتأملها كعادة ملازمة له منذ زمن
اصحي خلي شمسي تطلع بنور عنيك
رفرفت بأهدابها واتسعت بسمتها ثم اعتدلت بنومتها وهي تفرك عيناها وإن انتهت وجدت فستان أبيض معلق أمام سريرها انتفضت من نومتها واخذت تتأمله بنظرات حالمة فكان مطرز تطريز بسيط من خامة الستان المتداخل
ايه ده يا يامن
فستان عايزك تلبسيه بليل علشان هنخرج نتعشى مع بعض معلش أنت عارفة أد ايه كنت مشغول الفترة اللي فاتت ومكنتش بعرف اخرجك
هزت رأسها وقالت وهي تتعلق
حبيبي أنا عذراك وبعدين حتى لو مقصر انا راضية المهم أنك معايا
تنهد وبينه وبين ذاته مازال مؤنب رغم رفضها
انا معاك بروحي قبل جسمي ونفسي أعملك حاجات كتير بس انت بقى اللي دماغك ناشفة
نفت من جديد برأسها واخبرته بإقتناع تام
أنت كفاية عندي مش عايزة حاجة تانية
ابتسموا معا ولكن ظل السؤال يطن في رأسها ونطقت به
هو ليه جبته ابيض مش أي لون تاني!
اجابها بنظرات معاتبة ذات مغزى تخص رفضها لاقامة حفل زفاف
عايز اشوفك بالأبيض ولا دي كمان هتعارضيني فيها
نفت برأسها وقالت بطاعة
لأ مش هعارضك يا حبيبي حاضر
لتصوب نظراتها للفستان وتستأنف بإعجاب
الفستان حلو اوي وذوقك يجنن بس يارب يجي مقاسي بعد الكرش
قالتها ببسمة حالمة
مش مصدق أن في حتتين مني جواك انا بحمد ربنا على نعمته و هديته التانية والتالتة ليا
مررت يدها بخصلاته رأسه التي تستقر على بطنها وسألته مستغربة
التانية والتالتة!
اجابها وهو يرفع ناعستيه التي تفيض بمكنون قلبه المولع بها
ايوة هديتي الاولى كانت انت يا نادين
أنت اللي كتير عليا اوي يا يامن ربنا يخليك أنت واشيائك ليا
تقصد ابنائها ثم مطت فمها وكأن الأمر لاح في عقلها لتوه
بس انا خاېفة البت غالية لما تيجي تاخد الدلع مني
ابتسم وشاكسها
طب ما انا كمان خاېف لما الواد برعي
يجي ياخدك مني
شهقت من ذلك الأسم الذي يتعمد ان يثير چنونها به
مش هسميه برعي بطل رخامةايه برعي دي انت عايز تعقد الولد حرام عليك
قهقه على چنونها وسايرها قائلا
خلاص بلاش برعي هنسميه حموكشة
خلاص متزعليش انا مش فارق معايا الاسامي المهم أنه ميخدكيش مني
ابتسمت ومطت فمها بدلال يعشقه
مفيش حد يقدر ياخدني منك يارخم
جلس شاردا ينظر لمحيط المكان بعيون فارغة لم يعد يسكنها إلا الألم مخطئ هو حين ظن أنه سيتمكن من نسيانها وكيف يفعل وهو لسنوات لم يستطيع أن يفعل دون أن يتعلق بها ما بالك الآن بعد ان ظن انه اخذ خطوات بطريقها فقد خذلته بنفورها ودفعت به لنقطة واهية لا وصول لها ورغم صموده والتزامه بوعده لها إلا أنه يجاهد ذاته في نزع حبها من قلبه قلبه الذي أن بين اضلعه پألم مصاحب لرائحة عبيرها زفر انفاسه حانقا ولعڼ تلك الهواجس التي تنتابه بقربها ثم أخرج من درج مكتبه جواز سفره واخذ يتأمله وكأنه وسيلته الوحيدة للفرار من هلاك عشقها
ادخلك اخر كشف يا دكتور
قالتها الممرضة التي تعمل معه بعيادته كي تنتشله بها من شروده
فقد أعاد وضع ما بيده بالدرج كما كان واغلقه قائلا
هو لسه في حد تاني انا مش قولتلك متخديش حالات تانية وتعتذري وتبلغيهم إن العيادة هتتقفل
حصل يا دكتور بس الحالة صممت تقابلك وتكشف عليها
زفر أنفاسه وقال بعملية
طيب دخليها
حاضر يا دكتور
ليتنهد وينزع نظارته ويغمض عيناه وأخذ يمسد موضعها على أنفه بأبهامه وسبابته لحين اتاه صوتها ليؤكد حدث
قلبه
ازيك يا دكتور
فتح خضراويتاه دون أن ينظر لها وابتلع ريقه ثم حرك رأسه ببطء كي يتأكد من صاحبة ذلك الصوت الذي تسلل لقلبه قبل مسامعه لتتجمد نظراته لثوان قبل أن يضع نظارته وكأنه يشكك برؤيته دون أن ينبث ببنت شفة لتبادر هي من جديد
مش هتقولي اتفضلي
تحمحم يجلي صوته وهو يلعن ذلك القلب اللعېن الذي هوى فور رؤيتها وتناسى تجريحها و نفورها لتتجمد ملامحه ويتدارك بثبات انفعالي ويهب من مقعده مرحبا بعملية شديدة
اهلا يا بشمهندسة اتفضلي بتشتكي من ايه
تنهدت وسارت بخطوات وئيدة تجلس في المقعد المواجه لمكتبه وهي لا تعلم ماذا تقول أو من اين تبدأ لتبتلع ريقها وتقول ببسمة متوترة
بتمنى تكون العيادة عجبتك لما استلمتها
سؤالك متأخر تلت شهور يا بشمهندسة ليصمت لهنيهة ويستأنف
على العموم انا بلغت بشمهندسة سارة تبلغك امتناني لمجهودك
ردت ببسمة باهتة وهي تفرك بيدها
اه قالتلي
هز رأسه بثبات وتسأل بعملية وترتها
طيب قوليلي بتشتكي من ايه يا بشمهندسة علشان اقدر افيدك
زادت من فرك يدها متوترة وتلعثمت قائلة
أنا آسفة
تساءل بثبات انفعالي دوما يفحمها به
على ايه
ارتعش فمها من شدة توترها وصدر حديثها متقطع وهي تخبره
انا كنت قليلة الذوق وجرحتك بس أنا
قاطعها ببسمة يبرع دوما في اقتناصها في أشد اوقاته بؤسا
وايه الجديد ده طبعك يا بشمهندسة وانا اللي أسف أنت عندك حق مكنش في بينا شيء يذكر وحتى لو الموضوع اختلف بالنسبالي أنت ملكيش أي دخل بيه لأن انا الطرف الوحيد في الحكاية
تنهدت واخبرته بنفاذ صبر بعد أن فشلت فشل ذريع في أن تترجم ما بداخلها
نضال متصعبش الموضوع عليا اكتر من كده أنا معرفش انا جيتلك ليه كل اللي أعرفه إني مش عيزاك تسافر لتصمت لبرهة وتستأنف موضحة
قابلت مامتك وقالتلي
اعتلى حاجبيه وباغتها بسؤاله
ليه مش عيزاني اسافر محتاج اجابة واضحة وصريحة لأسبابك
اغمضت عيناها بقوة وقالت وهي تمرر يدها بخصلاتها
البندقية بأنامل مرتعشة
مفيش اسباب غير أن عايزاك جنبي
ابتسم بسخرية مريرة وهز رأسه قائلا وهو يسند جانب وجهه بقبضة يده
استبن يعني مش كده
اغتاظت بشدة من ثباته وسخريته فما كان منها غير أن تهب من جلستها وتنوي المغادرة قائلة
لأ مش كده ويظهر غلطت لما جتلك عن اذنك
مش هسيبك تهربي قبل ما تكوني واضحة وصريحة مع نفسك قبل مني
تعالت وتيرة انفاسها وشعرت أنها تائهة داخل غابات الزيتون خاصته فور حديثه الذي استأنفه متسائلا وعينه متجمدة على رمادها
اتكلمي يا رهف
اجابته متلعثمة وهي تسحب ذراعها و تشيح بنظراتها وتتقهقر بخطواتها
الفترة اللي بعدت فيها كنت حاسة أني مضايقة ومكنتش فاهمة ليه طالما ده اختياري لكن لما مامتك قالتلي أنك هتسافر حسيت بأحساس غريب مش عارفه افسره ولا فيه مصطلح يتماشى معاه بالنسبالي غير إنك حد مريح و برتاح معاه
تنهد وبصيص الأمل يلوح بداخله ثم تسأل متلهف لجوابها
عايزاني افضل جنبك بأي صفة!
نظرت لكل شيء عداه واجابته
سميها زي ما تحب بس علشان خاطري خليك ومتسافرش
تنهد وقال بتفهم شديد استغربته
انا مقدر خۏفك يا رهف ومستعد مسافرش ومستعد استنى الباقي من عمري بس اديني أمل
مررت يدها بخصلاتها وقالت بعد أن زفرت انفاسها دفعة واحدة وتقدمت تجلس من جديد
أنامش خاېفة انا مړعوپة يا نضال خاېفة ادي لنفسي فرصة تانية زي ما بتقول أخسر ولادي وابوهم ياخدهم مني لتهز برأسها وكان عقلها يرفض حتى التفكير بالأمر وتستأنف
ولو خسرتهم هحملك أنت الذنب وعمري ما هعرف اسعدك
تقدم لمقعدها ثم جثى مقابل لها يحفزها بنظراته
قولتلك حبي ليك هيقويك انا مستحيل اخليه يعمل كده أنا عارف أن الحضانة هتسقط لو اتجوزتيني بس في قواضي كتير في المحاكم ويمكن مش كلها اللي بتقدر الأم تحتفظ بالحضانة بس أنا وانت مش هنيأس لو حكمت هروح لغاية عنده وهنفذله أي طلب يطلبه علشان ميحرمكيش منهم وهخليه يتأكد بنفسه إني هبقى أمين عليهم وهقدرهم ولادي اللي ربنا ما اردش يرزقني بيهم انا هعرف اقدر النعمة كويس يا رهف علشان جربت ۏجع إني اتحرمت منها
قال آخر جملة بعيون غائمة تنم عن صدق حديثه الذي رغم انها استشعرته إلا أنها تخوفت قائلة
طيب وافرض
قاطع سيل مخاوفها وطمئنها بتفاؤل و بإيمان قوي
سيبيها على ربنا ومتقدريش البلا قبل وقوعه وخليك متأكده و واثقة فيا أن مهما حصل مستحيل هتخلى عنك او عن ولادك
هزت رأسها باقتناع ومنحته الأمل ببسمة هادئة لفحت قلبه وجمدت انفاسه من روعة ربيعها لتتسع بسمته شيء فشيء ويتنهد تنهيدات متتالية تدل على فرحة ذلك القلب الذي لطالما مال لها وأخذ دفعة للأمام بطريقها ورغم تلك التعثرات التي تنتظره يقسم أنه سيصمد وسيفعل المستحيل من اجلها ومن اجل ابنائها فلن يفوت تلك الفرصة الذهبية الأخيرة دون أن يحظى
متابعة القراءة