حكاية ابناء يعقوب كاملة بقلم ولاء رفعت
المحتويات
والدها لذلك حسمت أمرها وبالفعل بعد مرور ساعات والجميع نيام أعدت نفسها للرحيل فأخذت حقيبتها ثم تسحبت على أطراف قدميها حتى لا يسمعها أحد لا تعلم أن زوجة شقيقها تراقبها من فتحة قفل الباب وحينما غادرت المنزل وضعت هويدا يدها على صدرها وكأن هما ثقيلا قد رحل عنها
أتفضلي يا سعيدة عاملة إيه
تفوهت راوية بترحاب بعد أن فتحت الباب وقامت باستقبال سعيدة التي أجابت
لكزتها راوية بمزاح قائلة
بقى كدا من وقت ما اتجوزتي وما بقتيش تيجي حتى تطمني علي ولا الواد حمودة منعك تشتغلي في البيوت تاني
أومأت إليها سعيدة فأجابت
ربنا يبارك له المعلم يعقوب من بعد ما أتجوزنا وزود لحمودة المرتب فقولت على إيه المرمطة ما دام مرتبه مكفينا وزيادة الحمد لله
ألا قولي لي يا بت يا سعيدة مفيش أخبار جديدة ولا حمودة ما بقاش يحكي ليكي حاجة زى زمان
حاجة! حاجة زى إيه يا ست راوية
أمسكت راوية بمحفظة نقودها وأخرجت ورقة من المال بفئة مائة جنية وأجابت
لو قولتي ليا هيبقى فيه مېت جنية تانية زيها
ابتلعت لعابها وهي تنظر إلى الورقة المالية باستسلام فقالت
هقولك بس بالله عليكي كأن ما قولتلكيش حاجة
انجزي يا سعيدة ما أنتي عارفاني ومش أول مرة تحكي ليا
هزت رأسها بنعم قائلة
حمودة عرف من واحد صاحبه إن المعلم يعقوب خده معاه عشان يشهد على العقد مع عم عرفة
ضيقت راوية ما بين حاجبيها
عقد إيه ده اخلصي قولي بسرعة
كانت تنظر إلى الأسفل تارة وإليها تارة أخرى ثم أخبرتها بتوجس
في المساء عاد من المتجر إلى منزله ليطمئن على صغيره وعلى زوجته الأولى التي وجدها تجلس في منتصف الأريكة ترتدي جلبابا أسود اللون وكذلك الوشاح أيضا أسود علم على الفور بأن هناك کاړثة في انتظاره فسألها
مالك قاعدة ولابسة أسود في أسود كدا ليه
حدقت نحوه بنظرة أخبرته ما تشعر به جيدا فأجابت
ضيق ما بين حاجبيه بامتعاض يسألها
لا حول ولا قوة إلا بالله ليه بتقولي كدا
نهضت وتقدمت منه فتوقفت تلقي عليه سؤالها الذي فاجئه بقوة
أقولك حمد لله على السلامة ولا أقولك مبروك يا عريس
هز رأسه بتفهم فعقب قائلا
واضح جواسيسك اللي زقاهم علي قاموا بالواجب أيوه يا راوية أنا أتجوزت
البت اللي أتجوزتها دي تطلقها حالا يا أنا يا هي
ظل ينظر في عينيها بصمت حتى أخبرها
مش هطلقها واللي عندك اعمليه أنا الشرع محللي اتنين وتلاتة وأربعة معملتش حاجة حرام
قالها واتجه إلى غرفته فصاحت في وجهه
بس أنا مش موافقة
استدار إليها وقال
موافقتك من عدمها مش هاتفرق أنا استحملت منك كتير ولا فكراني نايم على ودني وماعرفش بتعملي إيه من ورايا تحبي أقولك أنتي كنتي بتعملي إيه عند حسنات
أيوه كنت بعملك عمل عشان ما تروحش تتجوز عليا وعشان أخلف منك تاني
صاحت
بتلك الكلمات فصاح هو أيضا پغضب
أنتي تعرفي اللي عملتيه دا حرام وشرك بالله يعنى فاكرة إن أعمال الدجالين والڼصابين هتمنعني عن أي حاجة عايز أعملها! المفروض كنت طلقتك لأنك كدا ملكيش أمان بس أنا عامل خاطر لصلة الډم اللي ما بينا
غلبها البكاء رغما عنها لتخبره من بين دموعها
أنا عمري ما أذيتك والأعمال دي عشان ما تبقاش لغيري
وأدينى أتجوزت
كلماته كنصال آلاف من الخناجر ټطعنها بقوة حتى خارت قواها ولا تريد شيئا سوى الآتي
هتطلقها يا يعقوب
أخبرها بتحد وإصرار
مش هطلقها
قالها وكاد يذهب فأوقفته تقبض بيدها على ذراعه
يبقى تطلقني أنا
جذب ذراعه من قبضتها قائلا
اقصري الشړ يا راوية أحسن لك طلاق مش هطلق
أخبرته بتحد
أنا هاسيب لك البيت وماشية
وقف أمامها مباشرة وبنظرة ټهديد قال لها
لو سيبتي البيت مش هترجعي له تاني
قامت راوية بتنفيذ ما أخبرته به ومنذ ذلك الحين وهي تمكث لدى والدتها مرت الأيام حتى أكتمل شهر كامل قد مضي بينما هو كان ما بين المتجر والمنزل الجديد
عاد من المتجر لتوه فقامت باستقباله بحفاوة وترحاب تخلع له حذائه وتخبره
أنا النهاردة عاملة لك الأكلة اللي أنت بتحبها
أمسك يدها وقام بتقبيل راحة كفها قائلا
تسلم إيدك يا حبيبتي
يلا بقى أدخل غير هدومك واغسل إيديك قبل
ما الأكل يبرد وليك عندي مفاجأة بس بعد ما نتغدى
وعلى المائدة كان يتناول طعامه شاردا فسألته زوجته لتطمئن عليه
مالك يا حبيبي فيه حاجة مزعلاك
ابتسم على مضض وهز رأسه بإنكار فأجاب
لا ما فيش شوية مشاكل في الشغل بس
نهضت وجذبت الكرسي لتجعله ملاصق جواره فجلست وأحتضنت ذراعه
أنا مش عايزاك تشيل حمل هم أي حاجة أبدا طول ما أنا معاك
نظر إليها مبتسما وقال
ما انتي اللي مهونة علي أي حاجة بتحصل كفاية أبص بس في عيونك بحس إن أنا في الجنة
ضحكت بدلال وقالت
هنبقى في الجنة بإذن الله والسبب هيكون اللي هنا
أمسكت بيده ووضعتها على بطنها عقد ما بين حاجبيه يحاول استيعاب ما تخبره به سألها
هو انتي
هزت رأسها وأكملت
أنا حامل يا يعقوب
خد يا بني أكياس اللحمة دي ووزعها على كل أهل الحارة
قالها يعقوب فعقب عرفة
ربنا يزيدك من نعيمه يا معلم وربنا يقوم الجماعة بالسلامة
يا رب يا عرفة يا رب
وبعدما انتهى من الدعاء وجد أمامه شيخا كبيرا في العمر ألقى التحية عليه
السلام عليكم يا يعقوب يا بني
شعر يعقوب بأن هناك أمرا ما وقد أتى إليه هذا الرجل من أجله
وعليكم السلام يا عم سليمان أتفضل
ذهب كليهما وجلس كل منهما على كرسي مقابل إلى الأخر الذي يحدق إليه بعتاب ولوم قائلا
أنا جاى لك وزعلان منك جامد ينفع اللي عملته مع راوية ده
أخبره يعقوب بتبرير ما قد فعله
أنا معملتش حاجة حرام
عقب الأخر
بس كان لازم تقولها يا بني وتسيبها تختار
شعر بالضيق والضجر لذا قال له
بص يا عم سليمان أنا عارف مقام راوية بنت أختك عندك غالي قوي بس يعلم ربنا أنا براعي ربنا فيها ازاي و كل طلباتها مجابة ومسألة جوازتي التانية دي محسوم أمرها عايزة ترجع البيت أهلا و سهلا أنا ما قولتلهاش تسيب البيت وتمشي برغم إن أنا محذرها لو سابته ما ترجعش وصممت برضو تنفذ اللي في دماغها
تنهد سليمان ووجد أن الأمر على وشك التعقيد فشعر أن عليه أن يخبره بما يعلم إياه
هي دلوقتى مچروحة وحاسة إنك أهانت كرامتها بجوازك عليها من وراها ولما أتمسكت بجوازك من التانية شافت إنها ما بقاش ليها أي قيمة عندك معلش يا بنى تعالى على نفسك المرة دي وروح خدها من بيت عمك إن ماكنش عشانها يبقى عشان خاطر اللي في بطنها
انتفضت من مكانها وهي تهز رأسها برفض ثم عقبت على ما أخبرته بها شقيقتها للتو
لا يا سعاد ماقدرش ومستحيل أعمل حاجة زي كدا انتي فاهمة اللي بتقوليه دا يبقي إيه وإيه عقابه عند ربنا
نهضت الأخرى ثم جلست جوار شقيقتها توسوس إليها كالشيطان بل هي أقوى من الشيطان شړا فهناك نوع أخر للشياطين أشد خطۏرة وعلى قدر عال من الشړ وما هم سوى شياطين الإنس
اسمعي كلامي هاتكسبي قوي لأنك لو ماعملتيش كدا هتورث معاكم انتي وابنك انتي اللي أحق بكل حاجة وما تجيش واحدة ما نعرفش أصلها منين تيجي تقش على الجاهز تعب وشقى جوزك وبتاعك انتي كمان زى ما هي قاسمة معاكي جوزك
نظرت نحو الفراغ بشرود فكان وقع الكلمات على أذنها أقوى من السحر بدأت ترضخ إلى الأمر فقالت
طيب افرض وافقت على اللي بتقوليه أنا مش هعرف أتحرك من مكاني من وقت ما يعقوب جه خدني من عند أمي وحالف علي ما هخرج من باب البيت غير بإذنه
ظهرت ابتسامة شيطانية على ثغر شقيقتها وقالت بثقة
سيبي علي الموضوع دا وفي خلال أسبوع هاتسمعي خبرها
4
الأوقات السعيدة لم تدم طويلا فيجب على المرء أن يعد ذاته لتلقي الصدمات في أي وقت مرت أيام بل شهور وكانت من أجمل أيام عمره الذي عاش خلالها أروع الذكريات التي ستخلد
في ذاكرته حتى المۏت لم يكن لديه علم من قبل عن المعنى الحقيقي للحب سوى بين يديها
نظر في الساعة التي تحيط رسغه وصاح مناديا
يا رقية يلا أتأخرنا
خرجت من الغرفة بخطى ثقيلة والسبب يعود إلى بطنها المنتفخ من الحمل
يلا أنا جاهزة شوف منظري بقى شبه الكورة ببطني اللى بقت مترين قدام
أطلق قهقهة وقال
والله زى القمر بتحلوي بزيادة
اقتربت منه وتعلقت في ذراعه قائلة
عشان شايلة حتة منك
قام بطبع قبلة فوق جبينها ثم أحاط وجهها بكفيه وبنبرة عاشق متيم أخبرها
انتي اللي بقيتي حتة مني وأنا كمان حتة منك
ابتسمت وكأن الشمس قد أشرقت بنورها الساطع تخبره أيضا
عارف لو النونو طلع ولد هاسميه يوسف وبدعي ربنا إنه يكون نسخة منك والكل يضرب بيه المثل في الأخلاق والجدعنة
ازدادت ابتسامته ورقص قلبه طربا فعقب
ولو بنت هسميها على اسمك رقية يعقوب عبد العليم الراوي
أمسكت بأطراف أناملها مقدمة قميصه تسأله بدلال مازحة
هتحبها أكتر منى
حتة منك ومنى أكيد هحبها لكن القلب كله ملكك انتي انتي بنتي وبنت
قلبي
أخبرها بتلك الكلمات التي حفرت على جدران مملكة العاشقين أجابت عليه من أعماق فؤادها المتيم به
أنا بحبك قوي يا يعقوب
احتضنها بقوة قائلا
أنا تخطيت معاكي مرحلة العشق يا روح وحياة يعقوب ربنا يبارك لي فيكي وما يحرمنيش منك أبدا
وفي داخل السيارة يستمع إلى كلمات تتغنى بها كوكب الشرق تلك الشارة التي تذكره بأول يوم عمل لها لديه
رجعوني عينيك لأيامي اللي راحوا
علموني أندم على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ما تشوفك عينيه
عمر ضايع يحسبوه ازاي علي
انت عمري اللي ابتدى بنورك صباحه
يردد هذا المقطع وأنامل يده تتخلل أناملها وكل فينة والأخرى يطبع قبلة على ظهر يدها
لم تمر سوى دقائق فالسعادة تدون بضع كلمات داخل معجم مليء بالحزن بينما كان شاردا في عينيها انتبهت هي إلى الشاحنة الكبيرة القادمة نحوهما فصاحت بفزع
حاسب يا يعقوب
انتفض پذعر وحاول أن يتفادى الاصطدام يصيح بها بأمر
البسي حزام الأمان بسرعة
كانت السيارة تتأرجح يمينا ويسارا حاول التحكم في المكابح لكن لا تعمل سألته پخوف ذريع
فيه إيه يا يعقوب
الفرامل مش شغالة
حوار قصير خلال ثواني معدودة انتهت بانحراف السيارة عن الطريق وانقلبت من الحافة أخذت تتدحرج عدة مرات متتالية حتى استقرت على جانبها كانت آخر ما رأت عيناه هي وتخبره بأنفاس متقطعة
خد بالك من يوسف يا يعقوب
فقدت الوعي في الحال وكان هو ليس أقل حال منها لم يستوعب عقله ما حدث ففقد الوعي أيضا
و في وسط همهمات يكاد أن يسمعها وأشعة الشمس تخترق ما بين أهدابه كان ثقل جفونه يجبره على
متابعة القراءة